إنّها لأَوقاتٌ حزينة .. ولكنّهُ حزنٌ يعقبهُ -بإذن الله- صفاء ..
وإنّها لحظاتٌ مؤلمة .. ولكنّهُ ألمٌ يعقبهُ -بإذن الله - شفاء ..
إنَّها ساعاتُ الاعتراف ..
حينَ يعترفُ الإنسان أمامَ ربّه بالتقصير والخطأ ..
وحينَ يُقِرُّ بأنّه قد سارَ زمناً على خُطى الشّيطان ، وللمعصية قد وَطِئ ..
إنَّها ساعاتُ الاعتراف ..
حينَ يتأمّلُ الإنسانُ فيها شيئينِ اثنينِ في آنٍ واحد ..
نِعَمٌ عظيمةٌ كُبرى تتوالى من الله الّلطيف ..
ومعاصٍ عظيمةٌ كُبرى تتوالى من العبدِ الضّعيف ..
أمنٌ وإسلام .. وعافيةٌ من الأمراضِ والأسقام ..
طعامٌ وشراب .. وكساءٌ وثياب ..
عيونٌ مبصرة .. وهناك من ابتُليَ بفقدِ عينيه ..
وألسنةٌ ناطقة .. وهناك من ابتُليَ بِعِيٍّ في لسانه ، وصَمَمٍ في أُذْنَيه ..
نِعَمٌ في أنفسِنا .. وأهلينا ..
ونِعَمٌ قبلنا .. وفيما يلينا .
.
عطاءٌ في حِلّنا وترْحالِنا ..
وعطاءٌ في صيفنا وشتائنا ..
نِعَمٌ نذكُرُها .. وربَّما نسينا أضعافها ..
وطُرُقٌ واضِحةٌ للشّكر .. ورُبَّما سِرنا خِلافَها ..
وأمامَ هذا العطاءِ المُتتالي .. وذاكَ الكرم المتوالي .. ينظُرُ الإنسانُ إلى نفسه .. وما الذي قدّمَهُ وبذَله من أجلِ خالِقِهِ وربّه ..
فيَجِدُ أنَّهُ قد سُقِطَ في يده ..
ذنوبٌ لم تنقطع .. وآفاتٌ ما زالت في القلبِ لم تُنتَزَع ..
حقوقٌ للكثيرِ من النّاسِ لم تؤدَّ بعد ..
ومعاصٍ متنوّعةٌ يصعبُ فيها الحصرُ والعدّ ..
كم هي النِّعَمُ المُسداه ..
ومعَ شديدِ الأسف .. فَبِها نعصي الإله ..
كم فاتنا في صلاتنا من ركَعات ..
وكم هي مواطِنُ الفتنِ التي تركنا فيها الحقّ ، وسِرنا نَتْبَعُ الشّهوات ..
سارعنا كثيراً لتلبيةِ رغباتِ الهوى ..
واختلطَ ما في القلب .. وعلى كثيرٍ من الغشِّ قد انطوى ..
فيا أيَّتُها الجوارِحُ اعترفي بذنوبك ..
فكم من مشهدٍ محرّمٍ صوّبَتِ العينُ النَّظرَ فيه ..
وكم من قولٍ باطِلٍ أطربَ الأُذنَ فأصابها الضّياعُ والتِّيه ..
وأمّا الّلسان وما أدراكَ ما الّلسان .. فقد دمّرَ الكثيرَ من بني الإنسان ..
تكلّمَ بالباطل .. وهو قادِرٌ على قولِ الحقّ ..
وشهدَ بالزّور .. وهو قادِرٌ على الكفِّ فلا ينطق ..
كلماتٌ كثيرة تكلّمَ بها ، فأضحَكَتِ النّاس في الأرض .. وأغضَبتِ الخالقَ في السّماء ..
وعباراتٌ عديدة تفوّهَ بها ، فأعجبتِ المخلوقين .. وإمّا في ميزانِ الله فهي هباء ..
كم ظنَّ النّاسُ بنا خيراً ، واللهُ بِحالِنا أعلمُ وأقْدَر ..
وكم رأى النّاسُ من ظواهِرنا فجاملونا ونحنُ بالضّربِ أولى وأجْدَر ..
نتزيّنُ أمامَ الخلق بجميلِ المنطق وحُسنِ الكلام ..
ثمَّ نرتكِبُ القبائح إذا خلونا مع ربّنا ذي الجلالِ والإكرام ..
فيا ربّي ... إنّي لأعتَرِفُ بكلِّ ذنوبي وتقصيري ..
ويا ربّي ... إنّي لأُقِرُّ بما جنت يدايَ وقلبي وتفكيري ..
ذكرتُ القليلَ من ذنوبي .. وقد نسيتُ الأكثر ..
ومَعَ ذلك .. فإنّي لأرجو رحمةَ ربّي .. فهي أوسَعُ وأكبر ..
سأظلُّ أطمَعُ في فضلكَ يا إلهي ..
وسأظلُّ أذكُر نعمتكَ وأنا الغافِلُ اللاّهي ..
لن أقنطَ من رحمتك .. وقد وسِعَتْ كُلّ شيء ..
ولن أيأسَ من فضلك وقد شَمِلَ كلّ حي ..
أنتَ ربّي ولا ربَّ لي سِواك ..
وأنتَ خالقي ولا خالِقَ لي إلاّك ..
فاغفر لعبدٍ قد عصى فأتاك ..
يرجو عطاءً وافِراً ونَدَاك