بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و كفى و صلاة و سلاما على عباده الذين اصطفى ... و بعد
• أختي الفاضلة
لا أظنك تختلفين معي في أن الدعوة الى الله ضرورة اجتماعية و فريضة شرعية فكونها ضرورة اجتماعية فذلك لأنه لولا الدعوة إلى الله لتحول المجتمع إلى غابة ترتع فيها الوحوش المفترسة و قد أنصف أحدهم و هو جعفر بن أبي طالب في وصفه للمجتمع قبل دعوة النبي الكريم حينما خاطب النجاشي ملك الحبشة قائلا (أيها الملك كنا قومًا أهل جاهلية؛ نعبد الأصنام ونأكل الميتة، ونأتى الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسىء الجوار، ويأكل منا القوى الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولًا منا ... الخ ) وذلك لأننا إن لم ندعوا إلى الله فسوف يقوم أبناء الدعوات الأخر مثل ( العلمانيية و الوهابية و غيرها من الدعوات الباطلة بدعوتنا ودعوة أبناؤنا إلى مبادؤهم و أفكارهم الهدامة حتى نصبح و قد صار من أبنائنا و بناتنا من لا يؤمن بالله و لا برسوله و العياذ بالله .
و أما كونها فريضة شرعية فلأنها أمر الله تعالى و رسوله الكريم قال تعا لى ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِين َ) (يوسف:108) و قال تعالى ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (آل عمران:104) و الام هنا لام الوجوب ، وقد تواترت الأحاديث الصحيحة على وجوب الدعوة إلى الله و محذرة من الركون إلى الدنيا و ترك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فعن حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر وليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه فتدعونه فلا يستجيب لكم) . و قال أيضا صلى الله عليه وسلم موضحا أن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر واجب رعلى الرجال و النساء معا ( من رأى منكم منكرا فليغيره 00 ) فلا يعتقدن أحد أن هذا واجب على الرجال دون النساء أو على الكبار دون الصغار أو الهيئات و المؤسسات الخيرية دون الأفراد 0
• اختي الفاضلة
اننا عندما نعيش لذواتنا فحسب ، تبدو لنا الحياة قصيرة ضئيلة ، تبدأ من حيث بدأنا نعي ، وتنتهي بانتهاء عمرنا المحدود ! …
أما عندما نعيش لغيرنا ، أي عندما نعيش لفكرة ، فإن الحياة تبدو طويلة عميقة ، تبدأ من حيث بدأت الإنسانية ، وتمتد بعد مفارقتنا لوجه هذه الأرض ! …
إننا نربح أضعاف عمرنا الفردي في هذه الحالة ، نربحها حقيقة لا وهماً ، فتصور الحياة على هذا النحو ، يضاعف شعورنا بأيامنا وساعاتنا ولحظاتنا . فليست الحياة بِعَدِّ السنين ، ولكنها بعدادِ المشاعر ، وما يسميه " الواقعيون " في هذه الحالة " وهماً " ! هو في " الواقع " حقيقة " ، أصحّ من كل حقائقهم ! … لأن الحياة ليست شيئاً آخر غير شعور الإنسان بالحياة . جَرِّدْ أي إنسان من الشعور بحياته تجرده من الحياة ذاتها في معناها الحقيقي ! ومتى أحس الإنسان شعوراً مضاعفاً بحياته ، فقد عاش حياة مضاعفة فعلاً …
يبدو لي أن المسألة من البداهة بحيث لا تحتاج إلى جدال ! …
إننا نعيش لأنفسنا حياة مضاعفة ، حينما نعيش للآخرين ، وبقدر ما نضاعف إحساسنا بالآخرين ، نضاعف إحساسنا بحياتنا ، ونضاعف هذه الحياة ذاتها في النهاية ! .
• كأنني أسمعك تقولين كيف أعيش للدعوة ؟
وأقول أبشري أختاه بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك فهذا هو يوم ميلادك الجديد الذي ولدت فيه من رحم الدعوة و عليك أختي بعدة أمور هن وسائلك في الدعوة إلى الله تعالى منها ما يلي :
1- الاخلاص : لأن الاخلاص هو رأس الأمر و عموده الفقري فعمل بلا اخلاص كجسد بلا راس و ليكن شعارك( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام:162)
2- القدوة : و أعني أنت تكوني قدوة للناس في كل شيئ ليس في مظهرك فقط و إنما في مظهرك و جوهرك و أحسبك كذلك ولا أزكيك على الله تعالى و ارفعي شعار" الرسول قدوتنا "
3- البسمة و طلاقة الوجه : قال الصادق المصدوق ( لا تحقرن من المعروف شيئا و لو أن تلقى أخاك بوجه طليق ) 0 و البسمة تفح القلوب قبل الكلمات فإذا تكلمت دخلت الكلمات إلى أعماق القلوب فلا تملك القلوب إلا أن تتشربها ثم تتبنى الدفاع عنها و الدعوة إليها 0
4- الكلمة الطيبة و الوقت المناسب لها : فالكلمة الطيبة صدقة في كل الأحوال و لكنها هنا صدقتان لأنها طيبة و هي في الوقت ذاته أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر ، و أعني بالوقت المناسب لها ( أن لكل مقام مقال ) 0
5- الصبر و الاحتساب قال تعالى : ( يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (لقمان:17)
نماذج نسائية في الدعوة إلى رب البرية :
• النموذج الأول : ساقه الله لنا في كتابه الكريم ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (التحريم:11) إنها آسيا بنت مزاحم زوجة فرعون مثال خلده القرآن نعم إنها مثال في الصبر و الثبات على الحق ، ومثال في عدم الخضوع و الاستكانة بحجة أنها إمرأة ضعيفة لا تسطيع أن تقاوم الطغيان ، إنها مثال في التضحية بالغالى و النفيس في سبيل الله
• النموذج الثاني : امنا السيده ام سلمة صبرت على فراق ابنها الصغير قبل الهجرة ثم صبرت على وفاة زوجها ابوسلمه حتى كافأها الله بالزواج من النبى وكان لها دورا سياسيا خطيرا فى صلح الحديبيه عندما احس المسلمون بأن بنود الصلح كان بها اجحافا لهم وانهم لن يعتمروا هذا العام فلم يطيعوا الرسول ويتحللوا من الاحرام فدخل الرسول خيمته وطلب من السيدة ام سلمة ان تشير عليه ماذا يفعل فأشارت عليه بأن يبدأ بنفسه ويتحلل من الاحرام وعندئذ سيضطر الجميع الى التحلل من الاحرام....لقد حلت المشكله ببساطة شديدة
• النموذج الثالث: الحاجة زينب الغزالي وهي نموذج من العصر الحديث إنها استطاعت بفضل الله و توفيقه أن تجمع وسائل عديدة للدعوة، فقد كانت تعطي الدروس في المساجد، والمحاضرات في المراكز والهيئات والجمعيات، كما كان لها بعض الحلقات الإذاعية والتلفزيونية، وتكتب في الصحف والجرائد والمجلات، كما كان لها بعض المؤلفات، أهمها: "أيام من حياتي"، "نحو بعث جديد"، "نظرات في كتاب الله"، "مشكلات الشباب والفتيات"، "إلى ابنتي"، وتحت الطبع "أسماء الله الحسنى" وغيرها.