يقول شخص عن فتوى قيام الإمام للخامسة وعدم جواز متابعة الإمام فيها بأنها خطأ، ولا دليل للعلماء فيها وقال يجب متابعة الإمام ودليله حديث: إنما جعل الإمام ليؤتم به....وحديث الإمام ضامن, فما رد فضيلتكم على هذا الشخص؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالقول المشار إليه قد ذهب إليه بعض الحنابلة، فأوجبوا متابعة الإمام في الزيادة، وعللوا ذلك باحتمال أن يكون نسي ركنا، فلا يبطل يقين وجوب المتابعة بالشك في الزيادة، وقد يقوي هذا فعل الصحابة ومتابعتهم النبي صلى الله عليه وسلم في الخامسة وعدم أمره لهم بالإعادة، ولكن الصحيح من مذهب الحنابلة وهو قول الجماهير حرمة متابعة الإمام فيما علم المأموم أنه زيادة، لأن فعله هذا محكوم ببطلانه والمتابعة على ما ليس بمشروع لا تجوز، والأصل حرمة تعمد الزيادة في الصلاة، وهذا القول هو الصواب، فيجب على المأموم إذا قام الإمام لخامسة أن ينبهه فإن لم يرجع لم تجز متابعته، وتخير المأموم بين الجلوس وأن ينتظره حتى يسلم بسلامه، وبين أن يفارقه ويتم صلاته لنفسه، وأما متابعة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم في الخامسة فإنها تدل على أن من فعل ذلك جاهلا أو متأولا لم تبطل صلاته وكان معذورا بتأويله.
ولذلك قال الصنعاني رحمه الله في سبل السلام: ظاهر الحديث أنهم تابعوه صلى الله عليه وسلم على الزيادة، ففيه دليل على أن متابعة المؤتم للإمام فيما ظنه واجبا لا يفسد صلاته، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم بالإعادة، وهذا في حق أصحابه في مثل هذه الصورة، لتجويزهم التغيير في عصر النبوة، فأما لو اتفق الآن قيام الإمام إلى الخامسة سبح له من خلفه، فإن لم يقعد انتظروه قعودا حتى يتشهدوا بتشهده، ويسلموا بتسليمه. انتهى.
وسئل شيخ الإسلام رحمه الله عن إمام قام إلى خامسة، فسبح به فلم يلتفت لقولهم، وظن أنه لم يسه. فهل يقومون معه أم لا؟
فأجاب: إن قاموا معه جاهلين، لم تبطل صلاتهم، لكن مع العلم لا ينبغي لهم أن يتابعوه، بل ينتظرونه حتى يسلم بهم، أو يسلموا قبله، والانتظار أحسن. انتهى.
وقال ابن قدامة مبينا خلاف الحنابلة في هذه المسألة ومصححا للصحيح: إذا سبح به المأمومون فلم يرجع في موضع يلزمهم الرجوع بطلت صلاته نص عليه أحمد، وليس للمأمومين اتباعه فإن اتبعوه لم يخل من أن يكونوا عالمين بتحريم ذلك أو جاهلين به فإن كانوا عالمين بطلت صلاتهم لأنهم تركوا الواجب عمدا، وقال القاضي في هذا ثلاث روايات، إحداها أنه لا يجوز لهم متابعته ولا يلزمهم انتظاره إن كان نسيانه في زيادة يأتي بها وإن فارقوه وسلموا صحت صلاتهم. وهذا اختيار الخلال، والثانية يتابعونه في القيام استحسانا، والثالثة لا يتابعونه ولا يسلمون قبله لكن ينتظرونه ليسلم بهم وهو اختيار ابن حامد والأول أولى لأن الإمام مخطئ في ترك متابعتهم فلا يجوز اتباعه على الخطأ. انتهى.
وفي الإنصاف: قوله -أي الموفق في المقنع- فإن لم يرجع بطلت صلاته وصلاة من اتبعه عالما على الصحيح من المذهب أن صلاة من اتبعه عالما تبطل، وعليه الأصحاب، وعنه لا تبطل، وعنه تجب متابعته في الركعة. انتهى.
قال في الفروع معللا هذا القول: لاحتمال ترك ركن قبل ذلك فلا يترك يقين المتابعة بالشك. انتهى.
وعلى تقدير أنه يحتمل كون الإمام ترك ركنا من ركعة سابقة فإنه لا يتابع كذلك على ما نص عليه النووي في شرح المهذب، قال رحمه الله: لو قام إلى ركع خامسة فإنه لا يتابعه حملا له على أنه ترك ركنا من ركعة لأنه لو تحقق الحال هناك لم تجز متابعته لأن المأموم أتم صلاته يقينا. فلو كان المأموم مسبوقا بركعة أو شاكا في فعل ركن كالفاتحة فقام الإمام إلى الخامسة لم يجز للمسبوق متابعته فيها لأنا نعلم أنها غير محسوبة للإمام. وأنه غالط فيها. انتهى.
وقال الشيخ العثيمين رحمه الله: إذا وافقوه جهلا منهم أو نسيانا فصلاتهم صحيحة للعذر، ودليله: قوله تعالى: رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا {البقرة: 286}.
وإذا تابعوه وهم يعلمون أنه زائد وأنه تَحْرُم متابعته في الزيادة، فصلاتُهم باطلة؛ لأنَّهم تعمَّدوا الزيادة.وإذا فارقوه فصلاتُهم صحيحة، لأنَّهم قاموا بالواجب عليهم. انتهى.
وإذا علمت هذا وأن الصحيح أو الصواب ما عليه الجماهير من المنع من متابعة الإمام فيما علم أنه زائد في الصلاة، فاعلم أن ما استدل به هذا القائل لا دلالة فيه، فأما حديث: الإمام ضامن. فليس معناه ما ذهب إليه من أنه يتابع على خطئه ولم يذكر ذلك أحد من الشراح حسب اطلاعنا.
قال الخطابي في معالم السنن: قوله الإمام ضامن قال أهل اللغة الضامن في كلام العرب معناه الراعي والضمان معناه الرعاية. والإمام ضامن بمعنى أنه يحفظ الصلاة وعدد الركعات على القوم، وقيل معناه ضامن الدعاء يعمهم به ولا يختص بذلك دونهم، وليس الضمان الذي يوجب الغرامة من هذا في شيء، وقد تأوله قوم على معنى أنه يتحمل القراءة عنهم في بعض الأحوال وكذلك يتحمل القيام أيضاً إذا أدركه راكعا. انتهى.
وأما حديث: إنما جعل الإمام ليؤتم به. فهو أمر بمتابعة الإمام وألا يختلف المأمومون عليه بتأخر أو مسابقة، وليس فيه أنه إذا أخطأ توبع على الخطأ فهذا استدلال بالعموم في غير محله.
والله أعلم.